الشرق الأوسط بعد حرب غزّة
تشرين الأول 12, 2025

محمّد أبو رمّان

عامان منذ هجوم طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فالحرب الإسرائيلية على غزّة، فالحرب الإسرائيلية- الإيرانية، وما بين هذه الأحدث الجسام ما أعاد تشكيل (وتعريف) التحالفات والعلاقات في المنطقة بصورة كبيرة، إذ تبدو اليوم وكأنّها عالم مختلفٌ عما كنا نعرفه قبلها، وإذا ما قُدّر لوقف إطلاق النار الحالي أن يتحوّل فعلاً إلى نهاية الحرب؛ فإنّ المنطقة بصدد مرحلة سياسية وحسابات استراتيجية مختلفة، على الصعيدين الدولي والإقليمي.

في مقابل تفكّك حلف الممانعة وانتهاء دوره الإقليمي، هنالك أجندات إقليمية عدّة متنافسة في المنطقة، أجندتان متقاربتان في الأهداف والغايات، تختلفان في التكتيكات والأولويات والاعتبارات، هما الأجندة الأميركية وأجندة الحكومة اليمينية في إسرائيل، بينما الأجندة الثالثة (العربية- الإسلامية) ما تزال في طوْر التطور المتدرّج وفي سياق ردات الفعل.

يتفق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تصوّرهما لشرق أوسط جديد مرتبط بالمصالح الأميركية، وفيه إدماج كامل لإسرائيل في المنطقة، وإعادة تدشين نظام إقليمي جديد، يقوم على تبادل المصالح الاقتصادية وإقامة مشروعات تطبيع (مبنية على نموذج الاتفاقيات الإبراهيمية مع التوسّع الأفقي – من خلال انضمام دول أخرى إليها، والعمودي- من خلال زيادة المشروعات الإقليمية وتوسيعها).

في المقابل، يختلف الرجلان في تصوّرهما للأولويات؛ فبينما يريد ترامب إيقاف الحرب وعقد السلام بين العرب وإسرائيل، وهو يدرك أنّ حل القضية الفلسطينية مسألةٌ لا يمكن تجاوزها، وهنالك إصرار عربي وإسلامي على إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة بعد هذه الموجة الدولية الكبرى من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإنّ نتنياهو يرى أنّ الأولوية لترسيخ نظرية جديدة لأمن إسرائيل أولاً، تقوم على الهيمنة وتوسيع النفوذ وإضعاف القوى الإقليمية الأخرى من جهة، وإنهاء أي أمل أو إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية.

يريد نتنياهو، بالطبع، سلاماً إقليمياً وتطبيعاً مع الدول العربية، ولكن مع تصوّر مختلف وجديد لدور إسرائيل ومكانتها الإقليمية، ومن خلال استثمار حالة انعدام الوزن في المحيط الاستراتيجي لإسرائيل، ومحاولة التمدّد في سورية ولبنان؛ لكن الأهم التخلص مما يعتبره إرث "أوسلو"، وإكمال المهمة الرئيسية للحركة الصهيونية بتحجيم الوجود الفلسطيني وإضعافه في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وإنهاء أي أمل بإقامة الدولة، من خلال ضم الضفة الغربية ورفض عودة السلطة إلى غزّة.

إلى أيّ مدى يمكن تجسير الفجوات بين هاتين الأجندتين..؟ على الأغلب، سيستثمر نتنياهو جيداً في الفريق الصهيوني المحيط بالرئيس ترامب، وسيضغط عليه لمنع ترامب من تقديم أي صفقة جديدة أو عروض لإقامة الدولة الفلسطينية، ثم إنّه سيحاول إقناع ترامب برفع الفيتو، مبدئياً، عن ضم بعض مناطق الضفة الغربية، وقد يعزّز موقف نتنياهو خسارة ترامب فرصته بالحصول على جائزة نوبل للسلام، التي كانت تشكّل له حلماً شخصياً كبيراً.

على الجهة الأخرى؛ تتطوّر أجندة إقليمية عربية- إسلامية، ولكن ببطء، وبحذر شديد، تجمع ما بين السعودية ومصر وقطر والإمارات، مع دور متزايد لتركيا في المنطقة، وبداية خيط لدور باكستاني جديد بدأ يبرُز للمرة الأولى منذ استقلال باكستان نفسها، وبالرغم من تشكل أجندة أكثر تماسكاً لهذه الدول، تتمثّل بالقلق الشديد من خطر السلوك الإقليمي الإسرائيلي وربط مشروع التطبيع والإدماج بإقامة الدولة الفلسطينية؛ والعمل الدبلوماسي في مواجهة إسرائيل، إلّا أنّ هذه الأجندة ما تزال هشّة وضعيفة، لم تتطوّر لتشكل تحالفاً إقليمياً، والأكثر أهمية أنّ هنالك تردّداً في تشكيل تحالف ضاغظ على المصالح الأميركية في المنطقة.

القدرة على توسيع رقعة الشرخ بين ترامب ونتنياهو وتطوير مفهوم جديد لموازين القوى في المنطقة يكمن في مدى قدرة هذه الأجندة الثالثة على التطوّر والنضج السريع والتخلي عن الحذر وتشكيل تحالف إقليمي أكثر قوّة وتماسكاً، والعمل الداخلي على إيجاد حلول للأزمات الداخلية والبينية في دول عربية عديدة، وإيجاد قواعد مشتركة لحل هذه النزاعات وتطوير مصالح وأهداف مشتركة، فمصير المنطقة والصراعات والتحالفات مرتبطةً بمدى قدرة هذه الأجندة على أن تشكّل رقماً صعباً في المرحلة المقبلة.

المصدر : العربي الجديد

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".