محمد ياسين نجار
منذ سقوط الاستبداد في 8 كانون الأول 2024 واستلام
الرئيس أحمد الشرع مسؤولية قيادة سورية، يترقب السوريون مرحلة جديدة تُبنى فيها
دولتهم على أسس مختلفة جذريًا عما عانوه لعقود. تناسب الأفكار التي يطرحها الرئيس
الشرع وتوجهاته، غير أن المتابع للمشهد العام يلحظ ميلًا متزايدًا من قبل
المسؤولين نحو استحضار المشاهير واليوتيبرية في المناسبات الرسمية، وكأن الحضور
الإعلامي يمكن أن يحل مكان العمل المؤسساتي الجاد.
إن سورية اليوم، بعد أن أصبحت قصة العالم بأكمله في 8
كانون الأول 2024 وأصبحت أكبر براند في القرن 21 بإسقاط نظام الأسد الإرهابي،
تحتاج الآن إلى ما هو أعمق من الأضواء واللقاءات الاستعراضية، فلسنا ضد المشاهير
المحامين للثورة وقيمها، لكن تحتاج سورية إلى استقطاب العقول والكفاءات الوطنية
القادرة على صياغة السياسات، وإلى مفكرين وخبراء قادرين على وضع التصورات العملية
للنهوض. فالمعيار الحقيقي لنجاح المرحلة ليس بعدد المتابعين على منصات التواصل، بل
بمدى قدرة الدولة على تنظيم مؤسساتها وضبط أدائها.
الدولة الرشيدة لا تُبنى إلا على قواعد واضحة:
● حوكمة رشيدة في
مؤسسات الدولة بعيدة عن المحاباة
● معايير شفافة في
التوظيف والمساءلة
● منظومة جادة لمكافحة
الفساد، لا تكتفي بالشعارات
● تقارير دورية من
الوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات، تُعلن للرأي العام بجرأة، الإنجازات كما
الإخفاقات
● استعداد لتحمّل
المسؤولية وصولًا إلى الاعتذار أو الاستقالة عند الخطأ
إن الشعب الذي قدّم أثمن التضحيات يستحق أن يسمع صوته في
إدارة شؤونه، عبر شفافية المسؤولين وتواصلهم المنتظم مع المواطنين وترسيخ
مصداقيتهم بالوعود والأزمان والأرقام. فبناء الثقة لا يتحقق إلا بالمصارحة، وتثبيت
المؤسسات لا يتم إلا بالحوكمة الرشيدة التي تضع معيار الكفاءة فوق أي اعتبار.
ولذلك، فإن ما نحتاجه ليس استدعاء صور براقة من عوالم
الشهرة، بل خطاب دولة يحاكي الواقع ويجيب عن أسئلة السوريين: كيف ستُدار مواردهم؟
كيف ستُعالج قضايا النازحين والمهجّرين الشائكة؟ كيف سيُعاد بناء العدالة وتوزيع
الفرص؟ كيف سيستتب الأمن؟ كيف ستطبق العدالة الانتقالية؟
دعمنا للدولة الناشئة ووطننا الحبيب ليس محل نقاش فطرح
هذه الأسئلة اليوم لا يندرج في خانة النقد العابر، بل هو نقاش تأسيسي لمشروع وطني
ينبغي أن يجد طريقه لاحقًا إلى مجلس الشعب القادم، عبر كفاءات قادرة على طرح
الأسئلة بكل جرأة وعمق، حيث تُرسم السياسات العامة وتُبنى قواعد الاستقرار.
فالمستقبل الذي ينتظره السوريون لا يقوم على بهرجة
المناسبات، بل على جدية يتحلى بها المسؤولون وروح المشاركة، وهو ما سيجعل من هذه
اللحظة التاريخية نقطة انطلاق نحو دولة تستحقها سورية، وتليق بتضحيات شعبها.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق
نيوز".