جهاد
المغربي
في بلدٍ
اعتاد التعايش مع السلاح الموازي، تخرج الحكومة اللبنانية بقرار غير مسبوق:
الموافقة على خطة الجيش لحصر السلاح غير الشرعي. خطوةٌ جريئة، لكنها محفوفة
بالألغام السياسية والطائفية، وتفتح الباب أمام سيناريوهات متباينة... من الحسم
إلى التأجيل، ومن التوافق إلى التصادم.
فهل نحن
أمام لحظة سيادية حقيقية؟ أم مجرد فصل جديد من فصول المراوغة اللبنانية؟
الجيش
يطرح... والحكومة توافق
الخطة
التي قدّمها الجيش اللبناني تتضمن إجراءات تنفيذية على مدى عشر سنوات، تشمل تعزيز
عديد القوى العسكرية، ضبط الحدود، إنشاء وحدات خاصة، وتفعيل الرقابة على حركة
السلاح. وقد وافقت الحكومة بالإجماع على الخطة، لكن الإجماع اللبناني لا يعني
دائمًا الانسجام... بل أحيانًا يعني تجنّب الانفجار، وسط تحفظات غير معلنة من بعض
الأطراف السياسية.
مصادر
مطلعة أكدت أن الخطة "لا تستهدف أي جهة بعينها، بل تسعى إلى تنظيم السلاح تحت
مظلة الدولة"، مشيرة إلى أن التنفيذ سيكون "تدريجيًا، وبالتنسيق مع
القوى السياسية والمجتمعية".
بين
السيادة والمواجهة
القرار
أثار ردود فعل متباينة. فبينما رحّبت به جهات دولية وداخلية، اعتبرته أطراف أخرى
"استهدافًا لحزب الله"، محذّرة من تداعياته على التوازنات الداخلية.
ويرى بعض
الخبراء الأمنيين أن "الخطة تمثل فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للمؤسسة
العسكرية، لكنها تحتاج إلى غطاء سياسي واضح، وتمويل مستدام، وتفادي أي خطاب
استفزازي".
التمويل...
عقدة التنفيذ
تشير
تقديرات الجيش إلى أن تنفيذ الخطة يتطلب نحو مليار دولار سنويًا، ما يفتح الباب
أمام تساؤلات حول قدرة الدولة على تأمين هذا التمويل في ظل الأزمة الاقتصادية
الخانقة. وقد بدأت اتصالات مع جهات مانحة دولية، أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا،
لدعم الخطة ضمن إطار إصلاحات شاملة.
السيناريوهات
المحتملة
السيناريو
التوافقي – تنفيذ تدريجي بضمانات سياسية
تنفذ
الحكومة الخطة على مراحل، تبدأ من المناطق الأقل حساسية، مع تفاهمات غير معلنة مع
القوى المسلحة. يتم ربط التنفيذ بمسار إصلاحي شامل، ويُفتح الباب أمام دعم دولي
مشروط.
النتائج
المحتملة:
- تعزيز الثقة بالدولة
- تقوية المؤسسة العسكرية
- فتح قنوات التمويل الدولي
هذا
السيناريو يتطلب ذكاء سياسي، وتواصل مجتمعي، وإدارة دقيقة للتوازنات الطائفية.
السيناريو
التصادمي – رفض التنفيذ أو تعطيله
ترفض
جهات سياسية أو عسكرية تنفيذ الخطة، وتعتبرها استهدافًا مباشرًا لها. قد يؤدي ذلك
إلى انسحاب وزراء، تعطيل الحكومة، أو حتى مواجهات ميدانية محدودة.
النتائج
المحتملة:
- تفكك حكومي
- تصعيد داخلي
- تراجع في الدعم الدولي
هذا السيناريو يُنذر بانفجار داخلي، ويُضعف صورة
الدولة أمام المجتمع الدولي.
السيناريو
الرمادي – تنفيذ شكلي دون أثر ملموس
تُنفذ
الخطة بشكل جزئي أو شكلي، دون نتائج فعلية على الأرض. تُستخدم كأداة سياسية لتهدئة
الضغوط الدولية، بينما يبقى السلاح خارج السيطرة الفعلية.
النتائج
المحتملة:
- استمرار الفوضى الأمنية
- فقدان الثقة بالمؤسسات
- تآكل السيادة تدريجيًا
هذا
السيناريو هو الأخطر على المدى الطويل، لأنه يُفرغ الدولة من مضمونها دون صدام
مباشر.
ترجيح
السيناريو الممكن
استنادًا
إلى المعطيات السياسية والاقتصادية، يُرجّح أن تسلك الحكومة السيناريو التوافقي
المشروط، أي تنفيذ تدريجي للخطة مع مراعاة التوازنات الداخلية، وربطها بمسار
إصلاحي شامل. هذا الخيار يُجنّب التصعيد، ويُبقي الباب مفتوحًا أمام الدعم الدولي،
لكنه يتطلب إدارة سياسية ذكية، وإشراك المجتمع المدني في الرقابة.
خاتمة
لبنان لا
يفتقر إلى الخطط... بل إلى الإرادة. خطة الجيش لحصر السلاح ليست مجرد وثيقة أمنية،
بل اختبار للهوية الوطنية، ولقدرة الدولة على أن تكون دولة فعلًا. النجاح ليس
مستحيلًا، لكنه يتطلب شجاعة في القرار، وشفافية في التنفيذ، وتضامنًا وطنيًا
يتجاوز الحسابات الضيقة.
فهل ينجح
لبنان في مواجهة سلاحه؟ أم يبقى السلاح هو من يواجه الدولة؟
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".