د. وائل نجم
توّج
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاءاته على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في
نيويورك بإعلان خطته لما سمّاه السلام وإنهاء الحرب والعدوان على غزة، وذلك خلال
مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سبقه
لقاء مشترك بين ترامب ورؤساء ووزراء مثّلوا عدداً من الدول العربية والإسلامية،
وتضمّنت خطة ترامب لـ "السلام" التي نشرها البيت الأبيض عشرين بنداً شدّدت
بشكل أساسي على إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة
الفلسطينية، وإلقاء السلاح واستسلام قادة فصائل المقاومة وعناصرها والتخلّي عن
المطالبة بالحقوق الفلسطينية أو الخروج من غزة إلى أيّ بلد آخر في العالم، كما
تضمّنت الخطّة انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة بشكل متدرّج مع الاحتفاظ ببعض
النقاط فيه دون تحديد مهل زمنية، وتشكيل مجلس حكم دولي برئاسة ترامب وتكليف رئيس
الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، لاحقاً حاكمية القطاع مع شخصيات فلسطينية
تكنوقراط مستقلّة، وتشكيل قوة أممية عربية إسلامية لإرساء النظام في القطاع فضلاً
عن التعهّد بإدخال مساعدات إنسانية للسكّان، والبدء في إعادة الإعمار بشكل تدريجي،
وتضمّنت الخطّة أيضاً تعهداً أمريكياً بعدم ضمّ الضفة الغربية إلى كيان الاحتلال،
فيما لم تتضمّن الخطّة بشكل صريح على إقامة دولة فلسطينية مستقلّة وعاصمتها القدس،
وإن كانت تضمّنت الحديث عن مسار يفضي لاحقاً إلى قيام دولة فلسطينية ولكن من دون
الحديث عن مهل زمنية وتواريخ لكلّ ذلك. إضافة إلى ينود أخرى.
رئيس
وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي أعلن موافقته على الخطّة ورهن التنفيذ بموافقة قوى
المقاومة الفلسطينية حيث سأل أكثر من مرّة عن قبول "حماس" لهذه الخطّة،
والموقف فيما لو رفضت. بينما رحّبت دول عربية وإسلامية بالخطّة وأبدت استعدادها
للتعاون مع ترامب في إنجاحها، غير أنّها سرعان ما اكتشفت وأعلنت أنّ ما جرى الحديث
عنه والاتفاق عليه مع ترامب في اللقاء الواسع المشترك الذي انعقد في وقت سابق جرى
إدخال تعديلات عليه بما يوافق الرؤية الإسرائيلية لإنهاء الحرب، أو ربما يتوافق
ويتطابق معها، كما لو أنّها تريد القول إنّ الخطّة المعلنة مختلفة في بعض بنودها عن
البنود التي تمّ الاتفاق عليها، وبالتالي فإنّها ربما أرادت أن تقول بطريقة غير مباشرة
إنّها غير موافقة على الخطّة.
من
جهتها المقاومة الفلسطينية وفي ردّ سريع وقبل دراسة بنود الخطّة بشكل تفصيلي
وهادئ، رفض الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد نخالة الخطّة، واعتبرها ورقة شروط
استسلام تريد منه الولايات المتحدة الأمريكية إعطاء "إسرائيل" بـ
"السلام" ما لم تأخذه بالحرب، بينما قالت حماس إنّها استلمت الخطّة
وأنّا ستعكف على دراستها بشكل تفصيلي ومن ثمّ سترد عليها، في وقت أعطى الرئيس
ترامب حماس مهلة أربعة أيام لقبول الخطّة كما هي دون أيّ تعديل أو رفضها، وهدّد
بأنّ "إسرائيل" ستفعل ما يجب فعله إذا ما رفضت حماس الخطّة.
ربّما
يكون ترامب معنّياً بصناعة السلام وإنهاء الحرب، إذا ما أحسّنا الظنّ بأقواله
وتعهداته، وربّما يكون متواطئاً مع كيان الاحتلال ويبحث عن مخرج له يؤمّن له تحقيق
أهداف عدوانه على غزّة، ولعلّ هذا هو الأرجح، وبالتالي فهو يريد أن يفرض على المقاومة
الفلسطينية حلولاً على حساب حقّ الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وإقامة دولته
وتقرير مصيره، وعليه فإنّ خطّة ترامب للسلام، وبغضّ النظر عن نواياه من ورائها هي
وصفة واضحة للاستسلام وإلقاء السلاح والتسليم بالشروط الإسرائيلية والتخلّي عن حقّ
إقامة دولة فلسطينية أو إطلاق المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات
الإسرائيلية، وهذا ما يستحيل على المقاومة الفلسطينية القبول به بعد أن دفعت
أثماناً غالية وتمكّنت من الصمود بوجه الآلة الإسرائيلية ومنعتها من تحقيق أهداقها
على مدى عامين من الصمود والتضحيات وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة مادية ومعنوية
وسياسية وكان آخرها مشهد عزلة نتنياهو في الجمعة العامة للأمم المتحدة.
خطّة
ترامب للسلام وصفة استسلام واضحة قد تفتح المنطقة على غير ما يشتهيه ترامب، وقد
تشعل مزيداً من الحروب خاصة وأنّ نتنياهو وفريقه في السلطة والحكومة يطمحون لإقامة
"إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل ويرون أنّ الفرصة مؤاتية لذلك في
هذه المرحلة.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".