ماذا لو ؟
حزيران 14, 2025

د. وائل نجم

المنطقة العربية والشرق أوسطية وربما العالم بدأ اعتباراً من فجر يوم الجمعة بدأ يتحوّل جغرافياً وسياسياً إلى واقع جديد في ضوء الهجوم الإسرائيلي الواسع على إيران وضرب المناطق الإيرانية التي تحتضن المواقع النووية في العديد من المحافظات، وفي ضوء استهداف القيادات العليا الإيرانية في الحرس الثوري والجيش والعلماء النوويين، والذي كان بمثابة إعلان حرب على إيران.

لقد تلقّت إيران في الساعات الأولى ضربة قاسية باغتيال قادتها العسكريين من الصف الأول في الحرس الثوري والجيش والعلماء النوويين، غير أنّها خلال ساعات تمكّنت من ملء المواقع القيادية التي شغرت بالاغتيال، وتحوّلت من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم وأخذت زمام المبادرة بإطلاق مئات الصواريخ البالستية على دفعات متتالية نحو القواعد العسكرية والمواقع الاستراتيجية في الأراضي المحتلة. وهذا بحدّ ذاته لا يعني أنّ المعركة حُسمت لصالح طرف من طرفي المواجهة في هذه المرحلة، ولكن ماذا لو؟

العنوان الذي استخدمته الحكومة الإسرائيلية مُبرِّرة هجومها على إيران وهو تدمير البرنامج النووي الإيراني على اعتبار أنّ إيران باتت قريبة جدّاً من إنتاج القنبلة النووية بحسب التقارير الإسرائيلية، وهنا يبرز السؤال، ماذا لو كانت إيران قريبة فعلاً من إنتاج قنبلة نووية ثمّ أعلنت عن إنتاجها أو أقدمت على استخدامها بشكل تكتيكي في مرحلة من مراحل المواجهة؟ إنّ هذا سيعني تكريس إيران قوّة نووية جديدة، وبالتالي انتهاء الحرب عند هذه الحالة، أو سيعني الذهاب إلى مواجهة نووية يمكن أن تشكّل نهاية العالم.

القضية الثانية تتعلّق بحسم المعركة لصالح أحد الطرفين بشكل سريع، فماذا لو حسمت حكومة نتنياهو المعركة سريعاً لصالحها؟ هذا يعني أنّ نتنياهو سيفرض سيطرته وسطوته على كلّ المنطقة العربية والشرق أوسطية، وسيفرض أجندته على الجميع، شعوب وأنظمة وحكومات، سيتجه نحو تفكيك الجيش المصري الذي يعتبره خطراً استراتيجياً علي كيان الاحتلال، وسيعمل على تفكيك المملكة العربية السعودية للاستخواذ على مقدراتها المالية والنفطية والغازية، وسيعمد إلى ضرب تركيا وإضعافها لأنّها بنظره تمثّل خطراً قادماً عليه. ببساطة لن يوقفه شيء.

وفي موازاة ذلك، ماذا لو حسمت إيران المعركة سريعاً لصالحها؟ وهذا الخيار وإن كانت حظوظه قليلة على اعتبار أنّ القوى الدولية لن تسمح بذلك، غير أنّ هذا السيناريو لو حصل، فإنّ ذلك سيعني تكريس زعامة إيران لكلّ الشرق الأوسط بدءاّ من وسط آسيا وصولاً إلى مشارف أوروبا.

المسألة الأخرى تتعلّق باستمرار الحرب وعدم انتهائها بسرعة كما كان يتوقّع متخذ القرار في تل أبيب، والواضح من الردّ الإيراني غير المسبوق أنّ إيران تملك القدرة على الردّ، بل بدأت تمسك بزمام المبادرة ميدانياً على الرغم من خسارتها الكبرى في الساعات الأولى، لأنّ لديها قدرة على التحمّل والصبر أكثر من إسرائيل، وعليه فإنّ هذا المشهد سيعني استمرار الحرب فترة طويلة وهو بدوره قد يعني تدخّل قوى أخرى لحسمها، وهو ما يعني أيضاً تحوّل الحرب من ثنائية بين إسرائيل وإيران إلى واسعة تشمل كلّ رقعة الشرق الأوسط، وقد تتحوّل إلى حرب عالمية.

خلاصة القول إنّ ما قبل هجمات فجر الجمعة على إيران سيكون مختلفاً تماماً عمّا بعد هذا التوقيت. المنطقة ستتحوّل إلى واقع سياسي جغرافي جديد، فبعد هذه الحرب إيران لن تكون كما كانت، وإسرائيل لن تكون كما كانت، هي حرب شبه وجودية بالنسبة لكلا الطرفين، غير أنّ أيّة صيغة يمكن أن توقف الحرب من دون حسم واضح لنتائجها سيصبّ في صالح إيران على الرغم من خسارتها على مستوى قيادييها، وسيشعل خلافاً ونقاشاً اكثر حدّة داخل "إسرائيل".

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".